سورة المجادلة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المجادلة)


        


{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الآية. نزلت في خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت، وكانت حسنة الجسم وكان به لمم فأرادها فأبت، فقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، ثم ندم على ما قال. وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية. فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمت عليَّ. فقالت: والله ما ذاك طلاق، وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه- فقالت: يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني، وقد ندم، فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمتِ عليه، فقالت: يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقًا وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي قد طالت صحبتي ونفضت له بطني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أراك إلا قد حرمت عليه، ولم أومر في شأنك بشيء، فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي وإن لي صِبْيَةً صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليَّ جاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهم إني أشكو إليك، اللهم فأنزل على لسان نبيك، وكان هذا أول ظهار في الإسلام.
فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر. فقالت: انظر في أمري جعلني الله فداءك يا نبي الله، فقالت عائشة: أقصري حديثك ومجادلتك أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه أخذه مثل السبات- فلما قضى الوحي قال لها: ادعي زوجك فدعته، فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قد سمع الله قول التي تجادلك} الآيات.
قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها إن المرأة لتحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى علي بعضه إذ أنزل الله: {قد سمع الله} الآيات.
ومعنى قوله: {قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} تخاصمك وتحاورك وتراجعك في زوجها {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} مراجعتكما الكلام {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} سميع لما تناجيه وتتضرع إليه، بصير بمن يشكو إليه، ثم ذم الظهار فقال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}.


{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِم} قرأ عاصم: {يظاهرون} فيها بضم الياء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، وحمزة، والكسائي: بفتح الياء والهاء، وتشديد الظاء وألف بعده. ا وقرأ الآخرون بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء من غير ألف.
{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} أي ما اللواتي يجعلونهن من زوجاتهم كالأمهات بأمهات. وخفض التاء في {أمهاتهم} على خبر {ما} ومحله نصب كقوله: {ما هذا بشرا} [يوسف- 31] المعنى: ليس هن بأمهاتهم {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} أي ما أمهاتهم {إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ} لا يعرف في شرع {وَزُورًا} كذبا {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} عفا عنهم وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم.
وصورة الظهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي، أو أنت مني أو معي أو عندي كظهر أمي، وكذلك لو قال: أنت عليَّ كبطن أمي أو كرأس أمي أو كيد أمي أو قال بطنك أو رأسك أو يدك علي كظهر أمي أو شبَّه عضوًا منها بعضوٍ آخر من أعضاء أمّه فيكون ظهارًا.
وعند أبي حنيفة- رضي الله عنه- إن شبهها ببطن الأم أو فرجها أو فخذها يكون ظهارًا وإن شبهها بعضو آخر لا يكون ظهارًا. ولو قال أنت علي كأمي أو كروح أمي وأراد به الإعزاز والكرامة فلا يكون ظهارًا حتى يريده، ولو شبهها بجدته فقال: أنت علي كظهر جدتي يكون ظهارًا وكذلك لو شبهها بامرأة محرّمة عليه بالقرابة بأن قال: أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي أو شبهها بامرأة محرمة عليه بالرضاع يكون ظهارًا- على الأصح من الأقاويل-.


{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ثم حُكْم الظهارِ: أنه يحرم على الزوج وطؤها بعد الظهار ما لم يكفّر، والكفارة تجب بالعَوْدِ بعد الظهار. لقوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة}.
واختلف أهل العلم في العَوْد فقال أهل الظاهر: هو إعادة لفظ الظهار، وهو قول أبي العالية لقوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} أي إلى ما قالوا أي أعادوه مرة أخرى. فإن لم يكرر اللفظ فلا كفارة عليه.
وذهب قوم إلى أن الكفارة تجب بنفس الظهار، والمراد من العود هو: العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من نفس الظهار، وهو قول مجاهد والثوري.
وقال قوم: المراد من العود الوطء وهو قول الحسن وقتادة وطاووس والزهري وقالوا: لا كفارة عليه ما لم يطأها. وقال قوم: هو العزم على الوطء، وهو قول مالك وأصحاب الرأي.
وذهب الشافعي إلى أن العود هو أن يمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها فلم يفعل، فإن طلقها عقيب الظهار في الحال أو مات أحدهما في الوقت فلا كفارة عليه لأن العود للقول هو المخالفة. وفسر ابن عباس العود بالندم، فقال: يندمون فيرجعون إلى الألفة، ومعناه هذا.
قال الفراء يقال: عاد فلان لما قال، أي فيما قال، وفي نقض ما قال يعني: رجع عما قال.
وهذا يبين ما قال الشافعي وذلك أن قصده بالظهار التحريم، فإذا أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما قاله فتلزمه الكفارة، حتى قال: لو ظاهر عن امرأته الرجعية ينعقد ظهاره ولا كفارة عليه حتى يراجعها فإن راجعها صار عائدا ولزمته الكفارة.
قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} والمراد بالتّماس: المجامعة، فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر، سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام، وعند مالك إن أراد التكفير بالإطعام يجوز له الوطء قبله، لأن الله تعالى قيد العتق والصوم بما قبل المسيس وقال في الإطعام: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا} ولم يقل: من قبل أن يتماسا. وعند الآخرين: الإطلاق في الإطعام محمول على المقيَّد في العتق والصيام.
واختلفوا في تحريم ما سوى الوطء من المباشرات قبل التكفير، كالقُبْلة والتلذذ: فذهب أكثرهم إلى أنه لا يحرم سوى الوطء، وهو قول الحسن، وسفيان الثوري وأظهر قولي الشافعي كما أن الحيض يحرم الوطء دون سائر الاستمتاعات.
وذهب بعضهم إلى أنه يحرم، لأن اسم التماس يتناول الكل، ولو جامع المظاهر قبل التكفير يعصي الله تعالى، والكفارة في ذمته. ولا يجوز أن يعود ما لم يكفر، ولا يجب بالجماع كفارة أخرى. وقال بعض أهل العلم: إذا واقعها قبل التكفير عليه كفارتان.
وكفارة الظهار مرتبة يجب عليه عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن أفطر يوما متعمدًا أو نسي النية يجب عليه استئناف الشهرين، فإن عجز عن الصوم يجب عليه أن يطعم ستين مسكينا. وقد ذكرنا في سورة المائدة مقدار ما يطعم كل مسكين.
{ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} تؤمرون به {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.

1 | 2 | 3 | 4